اعترف بيل غيتس، الشريك المؤسس لشركة مايكروسوفت، الذي تقدر ثروته الحالية وفقاً لمجلة فوربس بنحو 139 مليار دولار، بأن وجود أشخاص يمتلكون مثل هذه الثروات هو “أمر غريب”.
في إحدى حلقات سلسلة وثائقية جديدة على نتفليكس بعنوان “ماذا بعد؟ المستقبل مع بيل غيتس”، أشار غيتس في الحلقة، التي تستكشف قضية عدم المساواة في الدخل إلى أن هذا الكم الهائل من المال يتجاوز بكثير احتياجات الشخص الفردية.
وعندما سُئل غيتس مباشرة عما إذا كان يعتقد أنه “أكثر ثراءً من اللازم”، تجنب الإجابة بنعم أو لا بشكل مباشر. ولكنه أوضح تماماً أنه يشعر بأن الأفراد الأثرياء يجب أن يساهموا بجزء كبير من ثرواتهم لصالح المجتمع، بحسب ما ذكرته شبكة CNBC.
وقال غيتس: “من الغريب أن لدينا مليارديرات. إنه مقدار هائل من الثروة، وإذا حاولت حتى استهلاكه، سيكون الأمر نوعاً من العبث. أنت تريد أن يتم إعادة تلك الأموال إلى المجتمع، وليس استهلاكها فقط”.
هذا القتراح يعكس فلسفة غيتس، والتي تقوم على فكرة أن الثروة، بمجرد تجاوزها حدود الاحتياجات الشخصية، يجب أن تعود بالنفع على المجتمع بشكل أكبر من مجرد تراكمها أو إنفاقها على أغراض شخصية.
غيتس لديه التزام شخصي تجاه هذه القضية؛ إذ أن مؤسسته الخيرية غير الربجية “مؤسسة بيل وميليندا غيتس” تبرعت بمليارات الدولارات لمواجهة مشكلات عالمية مثل الفقر وعدم المساواة. وقد صرح سابقاً بأنه يجب على الأثرياء دفع معدلات ضريبية أعلى بكثير.
في منشور له في عام 2019، كتب غيتس: “أنا أدعم نظاماً ضريبياً يعتمد على أن من يملك أموالاً أكثر يجب أن يدفع نسبة أعلى من الضرائب. أعتقد أن الأثرياء يجب أن يدفعوا أكثر مما يدفعونه حالياً”.
وفي حدث نظمته نتفليكس في نيويورك مؤخراً، قال غيتس إنه سيكون لديه ثروة أقل بنحو 62% من ثروته الحالية إذا تم تطبيق النظام الضريبي الذي يقترحه على الولايات المتحدة.
وأوضح: “أود أن تكون معدلات الضرائب أعلى بكثير للأثرياء”، مشيراً إلى محادثة سابقة جمعته مع السيناتور التقدمي بيرني ساندرز، الذي دعا إلى زيادة كبيرة في الضرائب المفروضة على الأثرياء.
وأضاف غيتس: “ساندرز سيأخذ أكثر من 99% مما أملك. أنا سأخذ 62% فقط. هذا هو الفارق بيننا”.
بالتالي، يظهر غيتس دعمه لفكرة أن المليارديرات يجب أن يساهموا بشكل أكبر في المجتمع من خلال دفع ضرائب أعلى، لكنه لا يذهب إلى حد الدعوة إلى القضاء على المليارديرات تماماً.
“العالم سيكون أفضل إذا اختار المليارديرات التبرع بالمزيد من أموالهم طواعية” هو رأي يتفق معه الكثيرون، خاصة في ظل تزايد الفجوة في الثروة”.
تُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الأمريكيين يؤيدون فرض ضرائب أعلى على الأثرياء لمواجهة التفاوت المتزايد في الثروة. وفقاً لبيانات الاحتياطي الفيدرالي، فإن الثروة التي يمتلكها أعلى 1% من أغنى الأميركيين وصلت إلى مستويات قياسية، حيث يمتلكون حالياً أكثر من 30% من إجمالي ثروة البلاد.
في المقابل، يعيش نحو 38 مليون شخص حالياً في فقر داخل الولايات المتحدة، إحدى أغنى دول العالم، وفقاً لمكتب الإحصاء الأميركي. يُظهر هذا الواقع أن “شبكة الأمان الاجتماعي لدينا ليست ممولة بالقدر الذي نريده”، كما أشار بيل غيتس في السلسلة الوثائقية.
ولهذا السبب يدعو بيل غيتس إلى فرض ضرائب أعلى على الأثرياء، وهو موقف يتشاركه عدد من المليارديرات الآخرين مثل وارن بافيت ومارك كوبان.
هذه الفكرة هي أيضاً الدافع وراء التزامه بالأعمال الخيرية، والسبب الذي يجعله يشجع المزيد من المليارديرات على الانضمام إلى مبادرته “تعهد العطاء”، التي تعهد فيها 240 شخصاً ثرياً بالتبرع بنصف ثرواتهم على الأقل للأعمال الخيرية خلال حياتهم.
في النهاية، يهدف غيتس إلى التبرع “بما يقرب من كل” ثروته الضخمة، بهدف الخروج تماماً من قائمة أغنى الأشخاص في العالم.
وقال في السلسلة الوثائقية: “أنا لا أقول إن وجودك في القائمة أمر سيئ للغاية. فقط أريد أن أوضح أنه ليس شيئاً إيجابياً”. وأكد أن العالم سيكون أفضل إذا اختار المليارديرات التبرع بمزيد من أموالهم طواعية.
ورغم ذلك، يظل غيتس مؤمناً بالرأسمالية كأساس للاقتصاد الأميركي. وأضاف أن الحوافز المالية التي تشجع على العمل الجاد والتفكير الإبداعي يجب أن تستمر في الوجود، باعتبارها مصدر إلهام للعمال ورواد الأعمال مثله، لتوليد الثروة التي تبقي الاقتصاد الأميركي مزدهراً.
بيل غيتس يرى أن تحديد حد أقصى للثروة ليس هو الحل الأمثل لمعالجة التفاوت الاقتصادي. في تصريحاته، قال: “أنا لست من الأشخاص الذين يعتقدون أن حظر الثروات التي تتجاوز حجماً معيناً هو الحل المناسب”، مضيفًا: “لكنني، مرة أخرى، قد أكون متحيزاً. وأتفهم لماذا يشعر بعض الناس بهذا الرأي. وهو نقاش جيد”.
نقطة غيتس الأساسية هي أنه يعتقد أن النظام الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة، وخاصة النظام الضريبي، يحقق فوائد غير عادلة للبعض على حساب الآخرين. كتب غيتس في عام 2019: “ينتهي الأمر ببضعة أشخاص إلى الحصول على ثروة كبيرة”. وأشار إلى أنه تم “مكافأته بشكل غير متناسب” عن العمل الذي قام به، في حين أن الكثيرين ممن يعملون بجد لا يزالون يكافحون لتلبية احتياجاتهم.
هذا يعكس وعيه بالفجوة بين الأثرياء وبقية الناس في المجتمع، وهو ما يحفزه على الدفاع عن إصلاحات اقتصادية وضريبية من شأنها تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية والاقتصادية.